Carma 2


veni vidi vici verba volant scripta manent

Updates
التحديثات
alcarma.wordpress.com

الاثنين

مقابلات Interviews



PH/ DjazairNews


حوار مع الكاتب التونسي محمد علي اليوسفي


''نحن لا نقرأ أصلا، ولا ننجح إلا في الترجمة العشوائية''


محمد علي اليوسفي من مواليد مدينة باجة بالجمهورية التونسية 3 مارس 1950 تابع الدراسات العليا في الاختصاص ذاته بالجامعة اللبنانية خلال الحرب الأهلية· وفي الأثناء مارس الترجمة والكتابة والصحافة الثقافية في أبرز الصحف والمجلات السورية واللبنانية والفلسطينية· عاد إلى تونس ليستقر بها بعد عشرين عاما أمضى ثمانية منها في جزيرة قبرص· له العديد من الاعمال الابداعية من بينها في الشعر:حافة الأرض .1988 امرأة سادسة للحواس، .1998 ليل الأجداد، .1998 ليل الأحفاد، 2008 وفي الرواية: توقيت البِنْكَا .1992 شمس القراميد،·1997 مملكة الأخيْضَر، .2001 بيروت ونهر الخيانات، بيروت 2002

دانتيلا، .2005 عتبات الجنة، دار الفارابي، بيروت .2007 كما ترجم الكثير من الاعمال الأجنبية المهمة للعربية هنا لقاء مع هذا الكاتب المميز·

حاوره: بشير مفتي

كيف جاء الشاعر والروائي محمد على اليوسفي للكتابة؟ اختيارا أم صدفة؟

بدأ الأمر بالحكايات وتواصل بحب المطالعة منذ الطفولة، حتى أن مدرس الصف السادس الإبتدائي كلفني بمكتبة الصف التي كانت في حقيبتي المدرسية! وكان عليّ تأجير الكتب لزملائي الصغار مقابل عشرة مليمات على القصة، ومن فلوس الإعارات أشتري قصصا جديدة·

تطورت مطالعاتي في الإعدادي وبدأت أقرأ الشعر العربي القديم والسير الشعبية وأقلد القصائد العمودية · وهكذا كانت البداية···

تكتب الشعر والرواية هل انت منسجم مع جنس دون آخر ام تجد تكاملا في ذلك؟

مرة سُئلْتُ أين تجد نفسك بالنسبة لكتاباتك في الشعر والرواية والترجمة؟ فأجبت: بيني وبين نفسي؛ أنا شاعر· وبيني وبين الآخرين؛ أنا روائي· وبيني وبين الجمهور الأعرض، بمن فيه السلطة وجواز السفر والجماهير العريضة، أنا كاتب صحفي ومترجم!

ترجمت عدة أعمال أدبية للعربية؟ في رأيك لماذا نترجم؟

في الترجمة، كما خبرتها، مرحلة من مراحل الاستراحة من الكتابة الشخصية ومعايشة لأجواء أخرى تضنينا وتفيدنا في آن؛ تضنينا لأنها تتضمن جوانب تقنية وطول مثابرة وانتباه وأمانة؛ وتفيدنا لأنها تمكننا من القراءة الكثيفة والمعمقة، ومخالطة أساليب كتابية جديدة·

والترجمة تتفوق علينا أيضا: فالكتاب المترجم أهم من كتاباتنا العربية عادة، سواء لدى الناشر أم لدى القارئ· والناشر في هذه الحال مستعد للدفع أيضا!

وقد يكون في مغادرة الكتابة إلى الترجمة تنويع واستراحة لمن يمارس العمليتين معا؛ أي الكتابة والترجمة·

شخصيا أنطلق في ترجمة النصوص بطريقتين:

- الأولى تكون اقتراحا من الناشر وهي نادرة ومدعاة للريبة· ولا يمكنني الموافقة على ما يقترح إلا بعد تفاعلي مع النص· والمرة الوحيدة التي لم تكن مدعاة للريبة أو التردد حدثت مع ترجمة سيرة كازنتزاكي /المنشق/·

-والطريقة الثانية هي أن أرشح الكتاب بنفسي· وفي هذه الحال قد أصطدم بالناشر وذوقه ودرجة اطلاعه· وفي هذا المجال لاقيت الأمرين في نشر عملين لكاتبين عالميين هما ماركيز وأوكتافيو باث· بالنسبة للأول لعب أسلوبه الصعب دورا في رفضه كما أنهم كانوا لم يسمعوا به بعد؛ وبالنسبة للثاني فقد طفْتُ به على دور نشر أربع فلم تنشر المختارات التي ترجمتها إلا دار نشر حديثة التأسيس وبعد توسط شاعرين صديقين لدى هذه الدار التي أنشأها أحد أقاربهما! وكانت المفاجأة أن ماركيز وباث نالا جائزة نوبل للآداب بعد الترجمة العربية مباشرة· ولكم أن تتخيلوا دهشة الناشر المحترم و··· أرباحه!

في مجال ترجمة الرواية، لم يكن همي ترجمة كاتب معين بمقدار ميلي إلى تيار كتابي إن صح التعبير· الأدب المتميز بالتجديد والقدرة على الإدهاش وتغيير نظرتنا للواقع، سواء أكان متأتيا من اليابان أم من اليونان أم من أمريكا اللاتينية، وسواء أكان شعرا أم نثرا أم صورة· لذلك لا تستهويني ترجمة الكلاسيكيات الروائية، على أهميتها، فهي بالنسبة لي منجز تاريخي اطلعت على أهم عناوينه ولم تعد فيه مفاجأة الاكتشاف·

كيف هو المشهد الأدبي في تونس اليوم؟

كثير الحيوية، مع فوضى عارمة بسبب غلبة الروح الاحتفالية (المهرجانتية!) ويتميز أيضا بظهور كتابة المرأة···

كيف تنظر لأزمة القراءة في عالمنا العربي؟

هي مشكلة حضارية، بالدرجة الأولى؛ نحن في تبعية استهلاكية· نفضل استهلاك الآخر وما جهّزه لنا· وثمة طبعا ظروف أخرى تربوية، وسياسية تتعلق بنظر السلطات إلى الثقافة وغير ذلك·

كل ذلك أدّى إلى حلقة مفرغة مازال الكتاب العربي ـ مؤلفًا ومترجمًا ـ يدور حولها: أينبغي علينا أن نترجم حتى نقرأ، أم نقرأ حتى نترجم؟ أم أن المشكلة أوسع من كل ذلك بكثير: نحن لا نقرأ أصلا، ولا ننجح إلا في الترجمة العشوائية، لأن مشكلتنا مشكلة حضارية أساسا؛ مشكلة تبعية تُسْرع بنا إلى تقليد الأسهل والمريح في مجالات أخرى استهلاكية، مع رفع شعار المنفعة في تقليد الغالب ناسين أو متناسين دور المعرفة في غلبته وفي إشهاره لذلك السلاح الموجه إلى الروح الاستهلاكية·

ماهي مشاريعك الحالية؟

صدرت لي مؤخرا مجموعة شعرية بعنوان / ليل الأحفاد/ عن المؤسسة السورية العامة للكتاب، وعدة كتب مترجمة بين سورية والأردن( أوكتافيو باث، إميل سيوران، جورج باتاي)، ورواية / عتبات الجنة/ في بيروت، وأرسلت برواية / شمس القراميد/ لإعادة طبعها هناك، فهذه الرواية رغم أنها حازت على /جائزة كومار- الريشة الذهبية/، وهي أهم جائزة للرواية في تونس، لم يطبع منها إلا ألف نسخة، حسب الناشر، وحتى عندما نفدت الطبعة كاملة رفض الناشر طبعها ثانية· ويعود ذلك، في رأيي، إلى بعض أمراض الكتاب في تونس؛ فالكتاب، في طبعته الثانية لا يحصل على منحة مساعدة من الدولة!!!

أما غير ذلك، فأنا منكب على روايتي الجديدة التي لا أستطيع الحديث عنها بتاتا ما دامت في الورشة··· وإلا فسد الأمر!

***

الجزائر نيوز- ملحق - الأثر - الأسبوعي

الرابط للنص الأصلي




***

مع الروائي والمترجم التونسي محمد علي اليوسفي

محاورة كمال الرياحي

 

" أتسلّل إلى أماكن جديدة فأحسب أنني بدأت أعرفها . كأن لي جسما مضيئا يشقّ عتمات تراكمت قبله، فتلملم نفسها و تتراكم خلفه من جديد ، تاركة أثرا من ذكرى عبور سابق . لكل منطقة ،أدخلها  للمرة الأولى ،رائحة أولى ،و ألوان،و ضجيج. لكل شارع أكتشفه زوايا لا مرئية تتكتّم منذ الآن و لا تبوح بتفاصيل"رأيت و سمعت" تفاصيل"جئت و عشت" ، تلك التفاصيل التي سوف تفعل فعلها لاحقا و لا تبقى منها سوى ماض هارب تتحرك فيه رائحة مربكة،أطلبها،فلا يجيء بها زمن خارجي.هكذا تندثر الأمكنة أمام عيوننا وهي لا تزال محمّلة ببناياتها و صخبها. كأنما لكل لقاء طبقات حضور فينا،و نحن لا نصادف سوى الطبقة التي نقصدها في مكانها و زمانها." دانتيلا ص 34     

 

أخيرا حطّ الرّحال في تونس ، موطنه الأصلي الذي تركه منذ ثلاثين عاما  و راح يجوب الآفاق متنقّلا  بين بيروت  و دمشق و قبرص ....متقلّبا بين كتابة الشعر و الرواية و الترجمة و المقال النقدي . بدأ رحلته الابداعية على "حافة الأرض" سنة 1988 أين التقى ب"امرأة سادسة الحواس" في "ليل الأجداد" أثناء " توقيت البنكا" و تحت " شمس القراميد" بنى "مملكة الأخيضر " و عرف " بيروت و نهر الخيانات" و تأكّد ألاّ لغة خارج "أبجدية الحجارة " .

هو بلا شك محمد علي اليوسفي المترجم و الشاعر و الروائي التونسي  نلتقيه في في بعض وجوهه ليكون لنا  هذا الحديث عن راهن  الترجمة و مآزقها  و وضع  الرواية العربية و آفاقها .

محمد علي اليوسفي روائيا

1- يقول كيليطو :" إذا أراد المرء أن يتجدّد فما عليه إلاّ  أن يغترب، أن يبدّل مقامه، أن يغرب مثل الشمس "  لنجعل هذه العبارة مدخلنا لعوالمك الإبداعية و الروائية تحديدا  لنتحدّث عن الغربة و الغرابة و التغريبة. هل يحتاج الروائي إلى أن يغيّر المكان دائما  بحثا عن عوالم روائية  أو عوالم ملهمة ؟ كيف وجدت السفر  انطلاقا من تجربة التيه و الترحال التي تعيشها؟ 

* في البداية يكون السفر جغرافيا ثم يتحول، مع التجربة والخبرة، إلى ترحال في الروح. أنا لم أسافر قط بدافع من الكتابة سافرت كإنسان في البداية. كنت أطبق المثل القائل إن في السفر سبع فوائد. ربما أدركت بعض تلك الفوائد وحصدت الكثير من الخسائر التي ألتفت إليها ساخرا لأطلق عليها اسما مباركا هو: التجربة! لا أعتقد أن السفر شرط لازم للكتابة لكنه عنصر مهم. ويمكن للمرء أن يكتفي بالسفر ضمن بضعة كيلومترات، كما فعل الكثير من الكتاب، ولم يمنع ذلك تفتق مواهبهم. إلى ذلك لاحظ الكثيرون أنني أكتب عن المكان القريب عندما أكون بعيدا عنه. ذلك ما حصل عندما كتبت رواية "توقيت البنكا" وأنا في قبرص، بينما لم أكتب تجربتي في حصار بيروت إلا بعد سنوات، وفي تونس! ومؤخرا انتهيت من كتابة رواية جديدة أنهيتها في دمشق، رغم أنني سافرت بمخطوطتها المرهقة، الهاربة، سنوات بين عدة عواصم. يبدو في هذه الحال أن هناك مزيدا من شفافية الرؤية عندما تتم عن بعد وبعيدا عن مشاغل الحياة اليومية اللصيقة بالمكان الذي تكتب عنه. وقت السفر والإقامة في بلد غريب لا تكون معنيا "بالجانب الإداري" للمكان، إن صح التعبير. 

2- تنهض  روايتك " توقيت البنكا " على شخصية عجائبية أو خرافية هي البنكا.  وهي كائن صغير بحجم الإصبع . من أين اقتطفت هذه الشخصية  من الكتب التراثية أم من الحكي الشفوي و الخرافات  التي تسكن قرانا في الشمال الغربي التونسي ؟ 

* هي من كل ذلك: من حكايات الطفولة، ومن كتب تونسية تراثية ساعدتني كثيرا، وخصوصا كتاب "الأغاني التونسية" لمؤلفه الصادق الرزقي. وهو كتاب لا يقتصر على الأغاني بل جاء قريبا نسبيا من كتاب الأغاني للأصفهاني. 

3-  هل  أردت بشخصيتي طارق وزياد أن تعارض شخصية طارق  بن زياد  التاريخية ؟ 

* في البداية لم أكن أقصد ذلك. وربما لعب الفشل في المكان( وهو أوروبا) دورا في معارضة الحاضر بالماضي إمعانا في المفارقة. حتى أن الشخصية التي تحمل ذلك الاسم كانت مدركة لشرطها التاريخي. 

4- هل كانت شمس القراميد تتمة  لتوقيت البنكا  إذ بينهما وشائج كثيرة ؟

* لا أعتقد ذلك. ربما جاء التقارب من عدة عناصر منها التركيز على طفولة الشخصيات وطفولة المكان( أقصد القفز بين قرنين في مجريات الأحداث ) يضاف إلى ذلك التركيز على المخيّلة الشعبية. 

5-  يتحدّث بعض النقّاد في الغرب عمّا يسمّونه بأصالة الفكرة. هل استطاع الروائي العربي  أن ينتج أفكارا أصيلة به أم  انه لم ينتج إلا مكرّرا ؟  كيف تقرأ  أصالة الفكرة ؟ 

* على خطى القول المأثور؛ أقول إن كل الأفكار ملقاة على قارعة الطريق. وربما كانت الأصالة لا تكمن إلا في طريقة صياغتها وإخراجها. لاحظ مثلا كم من الكتاب العالميين قد نجحوا من خلال طريقتهم الأصيلة في " تقليد" حكايات ألف ليلة وليلة! 

6- يقال إن الشاعر فقد  مكانته لصالح الروائي و الروائي بدأ يفقد مكانته لصالح كاتب المحاولة أو المقال . هل تتفق معهم في أننا نعيش زمن المحاولة؟ 

* كلا! كلهم ضحية الصورة!

7-  يتداخل في شمس القراميد الخطاب الشعري بالخطاب الروائي . متى يصبح الشعر والشاعرية في الرواية مأزقا  بالنسبة لشعرية الرواية ؟ و متى يحقق إضافة نوعية؟

* هذا موضوع يهمني كثيرا: ما أؤمن به وأسعى إليه هو كيفية جعل الشعر متأتيا من شعرية الأمكنة ومن علاقات الشخوص إنْ حبًّا أو كرها( جمالية القبح!) وليس من تدفق رومنسي للغة. ثمة عنصر مهم في الرواية- وإلا كفّتْ عن أن تكون كذلك – وهو الإيقاع؛ إيقاع الأحداث وسيطرة الحكاية بما يشبه الهاجس.

8  ـ يرفع بعض الكتاب اليوم أسماء لأجناس هجينة  مثل  " الرواية الشعرية " أنت المتقلّب بين الجنسين : الشعر و الرواية  هل تؤمن بهذه التصنيفات و التلوينات ؟

* مصطلح " الرواية الشعرية" موجود ومعترف به. ومن أبرز الذين نظّروا له إيف تادييه. المشكلة في النتائج التي تخرج بها التطبيقات، وأبرزها الثرثرة اللغوية التي تتعلل بالشعر. لابد من مبرر لكل جملة شاعرية يجعلها في خدمة الأحداث والشخصيات والعلاقات التي بينها، فضلا عن سبر لاوعيها بما يخدم طريقة أفعالها الواعية.

9- تقيم اليوم و لو بشكل مؤقّت في مدينة الورود أريانة. هل يمكن للمدن الهادئة و مدن الورود أن تكون فضاءات نموذجيّة لروايات عظيمة؟ أليست تلك الفضاءات شعرية أكثر منها روائية ؟

* لا أجد شعرا في أريانة. ولا أشاهد وردا. أرى الإسمنت والطرقات والسيارات. مرة غضب مني صديق أصيل أريانة لأنني قلت له مثل هذا الكلام. سوء التفاهم نجم عن كونه كان يتحدث عن ذكريات طفولته في أريانة، بينما كنت أتحدث عن مستقبل طفولته: أي الحاضر. وفي الواقع لا أستطيع الكتابة في مكان جميل لأنني وقتها أعيش فيه. قد يشحنني لاحقا فأتأهب لإغلاق ستائري وأجنحتي.

10- كانت بيروت الحرب الأهلية مدينة للثقافة، هل يعني هذا أن الثقافة يمكن أن تزدهر في ظلّ خراب العمران؟

* الأسوأ ليس خراب العمران، بل خراب الأرواح. قبل الحرب الأخيرة كنتُ في بيروت ولاحظت كم كانت، وأهلها، قادرين على النهوض من الخراب. بلدان عربية كثيرة لم تنهض من شيء، رغم أنها لم تعش خرابا للعمران. اسأل يا أخي عن خراب الأرواح في البلدان " المطمئنة "، المغلقة على عمرانها الخانق وبشرها المخنوق.

*** 

محمد علي اليوسفي مترجما

***

1-  يوصف  المترجم بأنّه " يد ثانية "  مقارنة بأصالة المبدع. هل تشعر بهذا وأنت تغادر  قلعة الإبداع الشعري و الروائي إلى الترجمة ؟

× يمكن الحديث عن الترجمة باعتبارها "فعلا ثانيا" مستقلا عن الكتابة الشخصية بوصفها كذلك. ويمكن بالأحرى القول إنها "يد ثالثة!" ففيها وبواسطتها يأتي اطلاع جديد ومعرفة جديدة ومعاشرة لشخص آخر: هو زميل آخر يشبهنا أو يفوقنا. في الترجمة ـ عدا الوساطة والتوسط ـ ثمة معايشة حميمة للحظة الكتابة الأصلية لدى الكاتب الأول أو المؤلف الذي نترجم نصه. الترجمة تعادل قراءة النص نفسه عشرات المرات والتمكن من اكتشاف التفاصيل التي تخص المؤلف وأسلوب التأليف عنده؛ لذلك أجد أن الأصعب في ترجمة أيما كتاب يكمن في الصفحات العشر الأولى تقريبا: بعدها تتم معايشة الأسلوب وطريقة تركيب الجملة وما إلى ذلك، وقد يصل بك الأمر إلى اكتشاف أسرار الكتابة لدى المؤلف...

 في الترجمة أيضا، كما خبرتها، مرحلة من مراحل الاستراحة من الكتابة الشخصية ومعايشة لأجواء أخرى تضنينا وتفيدنا في آن؛ تضنينا لأنها تتضمن جوانب تقنية وطول مثابرة وانتباه وأمانة؛ وتفيدنا لأنها تمكننا من القراءة الكثيفة والمعمقة، ومخالطة أساليب كتابية جديدة.

والترجمة تتفوق علينا أيضا: فالكتاب المترجم أهم من كتاباتنا العربية عادة، سواء لدى الناشر أم لدى القارئ. والناشر في هذه الحال مستعد للدفع أيضا!

وقد يكون في مغادرة الكتابة إلى الترجمة تنويع واستراحة لمن يمارس العمليتين معا؛ أي الكتابة والترجمة.

2- يرى كثير من المنشغلين بحقل الترجمة  أنّها  لا عفويّة و أنها تنطلق  من خلف موقف إيديولوجي  محدّد. ما هي دوافع محمد علي اليوسفي  للترجمة؟ كيف تختار نصوصك؟ هل هي الجمالية؟ وهل يمكن  للجمالية أن تكون إيديولوجيا ؟

× بالتأكيد! الترجمة لا تكون عفوية أبدا. ففي الحد الأدنى يسبقها اختيار وميل وقصد... ووراء كل ذلك موقف، والموقف لا بد أن ينبثق من منطلقات فكرية وجمالية هي في المحصلة منطلقات إيديولوجية سواء أكانت واعية أم لاواعية. يبقى أنه لا بد من التفريق بين الخيار الإيديولوجي والسياسي المباشر ( وهذا هدفه آنيّ ونفعي خالص) وبين الخيار المنبثق من أهداف جمالية لا تخلو من خدمة الإيديولوجيا؛ بل إنها تسعى إلى عدم ترك الغلبة لها: أقصد الابتعاد عن التبشير و"البروبقندة" المرحلية؛ وهنا يتنافر الفن مع الإيديولوجيا في المرحليّ والإستراتيجي!

والفرق بين الفنيّ والسياسي يكمن طبعا في النظرة الإستراتيجية أولا؛ وفي تغليب ما هو فني على ما هو تكتيكي أو تبشيري بتيار سياسي معين.

شخصيا أنطلق في ترجمة النصوص بطريقتين: الأولى تكون اقتراحا من الناشر وهي نادرة ومدعاة للريبة. ولا يمكنني الموافقة على ما يقترح إلا بعد تفاعلي مع النص. والمرة الوحيدة التي لم تكن مدعاة للريبة أو التردد حدثت مع ترجمة سيرة كازنتزاكي "المنشق".

والطريقة الثانية هي أن أرشح الكتاب بنفسي. وفي هذه الحال قد أصطدم بالناشر وذوقه ودرجة اطلاعه. وفي هذا المجال لاقيت الأمرين في نشر عملين لكاتبين عالميين هما ماركيز وأوكتافيو باث. بالنسبة للأول لعب أسلوبه الصعب دورا في رفضه كما أنهم كانوا لم يسمعوا به بعد؛ وبالنسبة للثاني فقد طفْتُ به على دور نشر أربع فلم تنشر المختارات التي ترجمتها إلا دار نشر حديثة التأسيس وبعد توسط شاعرين صديقين لدى هذه الدار التي أنشأها أحد أقاربهما! وكانت المفاجأة أن ماركيز وباث نالا جائزة نوبل للآداب بعد الترجمة العربية مباشرة. ولك أن تتخيل دهشة الناشر المحترم و... أرباحه!

3- يقول الكسندر بوشكين :"  المترجمون  خيول بريد التنوير" هل مازال المترجم  يحمل هذا الوجه؟  في ظلّ تملّص كل الكتاب  من شعراء و روائيين و مسرحيين و سينمائيين  من قضيّة الرسالة التنويرية وأصبحوا يرفعون شعار الفنّ للفن؟

× حتى في ادعاء نظرية الفن للفن ثمة تنوير ما! إن ادعاء الفن للفن قد يقدم ما هو أفضل من رداءة الواقعية عندما يبلغ معها الإسفاف حدودا صارخة. في فعل الترجمة اطلاع حاصل وإن لم يعد كافيا وحده في هذا العصر. انتشار اللغات الأجنبية، وإن بشكل محدود، هو في حد ذاته جزء من عملية الترجمة. فما بالك بالإنترنت وما إلى ذلك!

لقد تداخلت الفنون وتشابكت، وهاهي تجد نفسها في معترك تشتد فيه المنافسة ويضيق فيه الإقبال؛ ولم يعد للنص المكتوب ذلك الوهج " التنويري" الممكن. ظل مقتصرا على النخبة، واشتد الحصار عليه. حتى الفنون الأخرى تشهد مثل هذه المنافسة فيصل بها الأمر إلى النظر في المرآة لتأمّل وجهها: إنه تأمل لا يخلو من توغل في التهمة المزدراة؛ تهمة الفن للفن. وهي على أية حال، تهمة قابلة للجدل وربما الدحض. وقد نكتفي بالقول إنها نسبية في درجاتها وصفائها.

4-  هل كل ما يترجم اليوم صالح للقراءة ؟ وهل نحتاج إلى مؤسسة  تقنّن هذا الحقل وتضع له حدودا وتخرجه من هوى المترجم و مزاجيته ؟

لا يقتصر الأمر على هذه الفوضى الفردية فحسب: هناك فوضى مؤسساتية أيضا تعكس بدورها مثل هذه الفوضى في الترجمة. فكم من عنوان يترجم ثلاث مرات في الفترة نفسها وكم من مؤسسة تنشأ مبشرة بحل مشاكل الترجمة فتسقط في منزلقاتها.

فإلى جانب اهتمامنا بالترجمة، والحديث عنها في الكثير من المناسبات، لا تكاد تمر فترة من الزمن حتى نسمع بالإعلان عن نشأة مؤسسة جديدة متخصصة في الترجمة. وحتى في وقت الإعلان عن الولادة الجديدة لتلك المؤسسة يكون غيرها من المؤسسات قد أعلن عن عقد مؤتمرات وندوات ولقاءات تتعلق بالترجمة وشجونها.

 فبعد الجهود التي تولتها المؤسسات الرسمية ووزارات الثقافة، جزئيا، وكذلك جهود دور النشر الخاصة المتسمة بالفوضى وتردي مستوى الترجمة وعدم التنسيق،  برزت في السنوات الأخيرة ظاهرة توجه الثروة المالية إلى الانفتاح على المشاريع الثقافية بما فيها مجال الترجمة.

كثرة المؤسسات المتخصصة في الترجمة تعكس إدراكا لأهميتها من جهة، واعترافا صريحا بتخلف العرب في هذا الميدان. ولقد بات من المعروف للجميع مدى الفضائح التي تكشفت عنها الإحصائيات العالمية الأخيرة الصادرة عن اليونسكو وعن عدد من الهيئات العربية حول مرتبة العرب بالنسبة لعدد الكتب المترجمة سنويا، قياسا ببلدان أخرى أقل سكانا، سواء من البلدان المتقدمة أم من تلك التي لا تُعدّ بعيدة كثيرا عن البلدان العربية في تصنيف العالم الثالث، على غرار بعض دول أمريكا اللاتينية مثلا.

غير أن كثرة المؤسسات ـ إن سلّمنا بكثرتهاـ لم تبرهن على تحسن في أحوال الترجمة، كمًّا ونوعًا؛ بل يمكن الحديث عن تراكم كمي مؤسساتي أكثر من التراكم المعرفي. يضاف إلى ذلك إصابة تلك المؤسسات بآفة الاحتفالات الرسمية والوجاهية. لذلك كثيرا ما نسمع شكاوى المثقفين من تغييبهم في شأن يعتبرونه شأنهم أولا وأخيرا، بينما يتم الاحتفال بالوجوه الرسمية التي يكشف حضورها المكثف عن آلية عمل هذه المؤسسات.

ما تشكو منه الترجمة في البلدان العربية ليس غياب المؤسسة بل أساليب عملها وإدارتها ونوعية سلطة الإشراف فيها. ولا بد من التأكيد على نقطة مهمة تتعلق بمدى ارتباطها ـ خارج عزلتها وطابعها الرسمي ـ بما يريده القارئ العربي الذي تتكلم هذه المؤسسة باسمه وباسم احتياجاته المعرفية.

حلقة مفرغة مازال الكتاب العربي ـ  مؤلفًا ومترجمًا ـ يدور حولها: أينبغي علينا أن نترجم حتى نقرأ، أم نقرأ حتى نترجم؟ أم أن المشكلة أوسع من كل ذلك بكثير: نحن لا نقرأ أصلا، ولا ننجح إلا  في الترجمة العشوائية، لأن مشكلتنا مشكلة حضارية أساسا؛ مشكلة تبعية تُسْرع بنا إلى تقليد الأسهل والمريح في مجالات أخرى استهلاكية، مع رفع شعار المنفعة في تقليد الغالب ناسين أو متناسين دور المعرفة في غلبته وفي إشهاره لذلك السلاح الموجه إلى الروح الاستهلاكية.

- هل هناك فرق بين قيمة ما يترجم في المشرق و ما يترجم في المغرب ؟

 ثمَّة انطباع، في المغرب العربي، يزعم أن "الشرقيين"، أو "إخواننا المشارقة"، لا يجيدون الترجمة. وبالتالي فإنه لا يمكن الوثوق بالترجمات الكثيرة التي ترد علينا من لبنان وسوريا ومصر خاصة.‏ هذا الزعم المعمًّم، يكون أكثر رواجاً في الأوساط الجامعية. وقد يجد استثناءات قليلة مثل الاعتراف بجودة الترجمات التي تركها الدكتور سامي الدروبي أو غيره.‏

وبالنظر إلى أن بلدان المغرب العربية هي بالأحرى بلدان القلّة والاستثناء، إذْ كثيراً ما يلفت الانتباه فيها مفكّر واحد، أو شاعر وحيد، أو مخرج عالمي لا يتكرّر، فإنّ ذلك الاستثناء يلعب دوراً مهيّجاً في حرب غير معلنة على الشرق.‏ إنها حرب الأطراف، التي بدأت ولم تنته، على المركز، ولو بجندي واحد، أو بفرقة صغيرة من المشاة.‏

لعب الازدواج اللغوي، غير المتوازن عموماً، دوراً مهمّاً في كشف مغالطات المترجمين المشارقة (لا تعجبني هذه الكلمة ـ المصطلح ومع ذلك استخدمها بسياقها المعبّر عن الذات وهي تتحرّك ضامنة مسافة ابتعاد عن موضوع أحكامها: المشارقة). وهذا الازدواج اللغوي تحرّك، ويتحرّك ضمن اللغة الفرنسيّة وحدها ـ مع قليل من الإسبانية في المغرب والإيطالية في ليبيا. أي أنه تحرك ضمن إمكانية الرصد والمتابعة والمقارنة.‏

هكذا، وكما يقول المثل الشعبي فإن "المتفرّج فارس" والذي لا يترجم كثيراً، أو لا يترجم بالمرّة، ينتقد من يترجم كثيراً، لكنها ترجمات سيئة.‏ ونذكر في هذا السياق، حتَّى لا نتورط أكثر في الترجمات ذات العلاقة بالعلوم والعلوم الإنسانية، تلك الزوبعة التي حرّكها مترجم تونسي، هو علي اللواتي، الذي قرر أن يكون مترجماً بسبب أخطاء أدونيس في ترجمة أعمال الشاعر الفرنسي الكبير سان جون بيرس. وبعدها لم يعد إلى الترجمة في حدود علمنا.‏

وفي مثل هذه المبارزات يكون الفعل "ترصّديا" استثنائياً بالضرورة. وتكون النتيجة: توافر الدقّة مقابل غياب الجماليّة! (إنما الحكمة لواحد).‏ دقة الترجمة تأخذها إلى طرح المسألة بوجهيْها. أو لنقل بشطريها المشرقي، والمغربي.‏ أذكر أن بطل رواية "المسرّات والأوجاع" لفؤاد التكرلي، أحسّ بحاجة إلى النوم، فتناول كتاباً مغاربيّاً مترجماً ليقرأه قبل أن ينام! وقد وُوجه التكرلي بسؤال احتجاجي حول هذا الموضوع، في برنامج تلفزي تونسي، فتخلّص من الإحراج بإجابة مراوغة تنكّبت الفكاهة!‏

من المعروف أن إجادة اللغة المنقول منها، لا تكفي لخلق نص مترجم جيّد، إذا كانت اللغة المنقول إليها، وهي هنا العربية، تشكو من فقر، أو ضعف، أو بالخصوص، من غلبة أحد طرفي المعادلة الازدواجيّة لغويّاً. وهكذا يأتي النص العربي ثقيلاً، دقَيقاً، وفيّاً وفاءً أعمى للأصل، أي أنه لا يتمكن من أن يصير نصّاً عربياً، أو معرّباً.‏ في الترجمة "المغاربية" يكون الفهم الأوّلي للنص الأصلي دقيقاً. أمَّا التشويش فيظهر في النص المعرّب.‏ وفي الترجمة "المشارقية" (المشرق مشارق كما هو المغرب مغارب!) تكاد عيوب الفهم تختفي لتوافر طلاوة اللغة المنقول إليها (أي العربية) وإن كان ذلك على حساب الدقة أحياناً.‏

- ما هي مزالق الترجمة المغاربية و مشاكلها ؟

- في الترجمة المغاربية نجد أن هناك من جهة، مشكلة هيمنة اللغة الفرنسية التي من المفترض أن النقل والترجمة يتمّان عنها، في الدرجة الأولى، مقارنة باللغات الأخرى. مع العلم أن هيمنة اللغة الفرنسية وانتشارها المتجدّد (خوفاً من العولمة) لم يتركا آثاراً في النص المترجم وحده، بل في نسق الجملة العربية نفسها، كتابةً.‏ ومن جهة ثانية يأتي النص المترجم عنها، أي عن اللغة الفرنسية، نصّاً هجيناً صعب القراءة أو الهضم، لأسباب متعددة، تتجاوز ما ذكرناه آنفاً، إلى أسباب

أخرى يمكن محاولة حصرها في ما يلي:‏

ـ كثرة المصطلحات المتأتية من اجتهادات شخصية غير متفق عليها بنوع من الإجماع.‏

ـ إثقال النصوص المترجمة بإيراد التعابير، وأحياناً الجمل، والمصطلحات الفرنسية، بلغتها، خوفاً من مجانبة الدقة أو عدم إيصال الفكرة باللغة المترجم إليها.‏

ـ مسايرة النص الجديد، الناجم عن الترجمة، لبنيْة النص الأصلي من حيث الصياغة، وبناء الجملة، والترجمة الحرفية أحياناً.‏ فتكون النتيجة أننا أمام نص مترجم أصعب من النص الأصلي في مجال التقبل والفهم (لمن يجيد لغة النص الأصلي) وأجيز لنفسي القول، في هذا السياق، إنَّ قراءة جوليا كريستيفا، وأمثالها، في اللغة الفرنسية، أسهل عليّ بكثير، من محاولة فهمها في ترجمة مغاربية.‏ وحتى لا نظلم المترجم جزافاً، قد نجد له عذراً خفيّاً يكمن في صعوبة نقل مناخ نقدي جديد إلى لغة لم "تتربَّ" عليه أو فيه!‏ وهكذا يتفرّع النقد المغاربي إلى وجهَين:‏

ـ لغة النقّاد الناقلين لجوليا كريستفيا وأمثالها، مع "تعالٍ" عليها، وانتقاد لها، أحياناً، خصوصاً لدى النقاد الجامعيين الشباب!‏

ـ لغة النقاد المتبجّحين بالجملة العربية التراثية ومصطلحات القرن الرابع الهجري مثلاً.‏

وبمقدار ما تزداد الترجمات المتعلّقة بالنقد والمدارس النقدية، وكذلك العلوم الإنسانية، تنتفي، أو تكاد، ترجمة الأعمال الإبداعية.‏

وثمَّة انطباع لدى الناشرين "المشارقة" أن القارئ المغاربي لا يحب الكتب المترجمة. وهو انطباع سريع، يتطلّب التأنّي والتحليل. فما هي نسبة مطالعة الكتاب المحلّي والعربي أوّلاً؟ وإلى أيّ مدى يمكن التعميم والقول إنَّ جميع القراء يطالعون، أو هم قادرون على المطالعة بالفرنسية مباشرة، يمكن، فقط، حذف الفرنكوفونيين وحذف من يجيدون اللغات الأصلية المترجم عنها، من المجموعة الضئيل أصلاً، ليتحرّك الكتاب الإبداعي في مجال ضيق.‏

وهذه الأحكام لا تنطبق حصراً إلاّ على الكتب الإبداعية نظراً إلى أن المؤلفات ذات الصلة بالنقد والعلوم الإنسانية تجد احتياطيّها من القراء، لدى الطلاب الذين يترجم لهم الأساتذة في المجال الأوّل. فالكتاب في المغرب العربي، يضمحّل متراجعاً إلى دائرة الاختصاص، أكثر. وفي هذا المجال يمكن الإشارة إلى آفة مغاربية بامتياز. وهي "الكتب الموازية" أي الكتب الأدبية المواكبة للمناهج التدريسية سواء في المرحلة الثانية أم في الجامعة.‏

- و ماذا عن المترجم المشرقي و هفواته ؟

- قلنا إنَّ إجادة اللغة العربية، كثيراً ما توفّر للمترجم المشرقي "الحاوي" غطاءً لستر عيوبه، عيوب الترجمة، فالكثرة هنا لا تجيد اللغة الأجنبية التي يجيدها. وهو قد "يفهم عن" القارئ، وينقل أفكار الآخرين كما فهمها.‏ وبعيداً عن التعميم ينبغي التمييز بين ترجمة تقدّمها دار نشر خاصة، وأخرى تصدر عن جهة لها مدقّقون ولجان قراءة ومراجعة.‏ ولا شك أنه لا يجوز المقارنة بين ترجمة تصدر عن وزارة الثقافة السورية مثلاً، وأخرى عن مؤسسة دار الهلال في مصر.‏ سقت هذا المثال بمناسبة قراءة متأخرة لرواية آن تيلر "دروس التنفّس" الحائزة على جائزة بوليتزر سنة 1989 والصادرة عن دار الهلال سنة 1991 بترجمة عبد الحميد فهمي الجمال.‏ في هذه الترجمة، لم نعد أمام أحد "الحواة" القادرين على ستر عيوب الترجمة بلغة عربية سليمة.‏ فإلى الأخطاء المطبعية التي تحفل بها كتب دار الهلال، إذا لم يواكبها مؤلفها برعاية خاصة، نجد نوعين من النّكد... ولهما ثالث.‏ النكد الثالث متأتّ من طبيعة الجملة العربية وهي تسير بقدرات إنكليزية.‏

النكد الثاني، ادّعاء المترجم، ممارسةً، إنَّ الكلمات الأجنبية المستخدمة في العامية المصرية، ذات أولوية، كما يفعل كتّاب مصريون آخرون، أولهم أدوار الخراط.‏

وهكذا نقرأ: الفيرندا، البلكونة، الموتور، الكوبون الروب، البنسيون، الكاونتر، البوكيه إلخ...‏

وكأنّ "باقة ورد" أصعب من "بوكيه ورد" لمن استطاع الصبر على قراءة رواية باللغة الفصحى!‏

أمَّا النكد الأوّل فهو أن تقرأ أخطاء يستطيع تلميذ ابتدائي تجاوزها بقليل من المران والرعاية والتوجيه، على غرار "عيناها الزرقاوتان!! (نعم! راجع الكتاب).‏

أيجوز بعد ذلك لوم مذيعات نشرات الأخبار، في المحطات الفضائية العربية، التي ينشر الفضاء غسيلها المحلّي؟‏ أم أن هذا مجرّد استثناء، يبني عليه مغاربيّ آخر، أحكامه؟‏ 

5-  لماذا اخترت ترجمة المنشق كازانتزاكي مثلا ؟

× في الواقع، وكما أشرت سابقا، لم تكن ترجمة المنشق انطلاقا من اختيار شخصي؛ فقد كان المجمع الثقافي في أبو ظبي ينوي إقامة أسبوع احتفالي بالكاتب اليوناني الكبير نيكوس كازنتزاكي، وتم الاتصال بي لترجمة هذا الكتاب الذي ألفته زوجته باللغة الفرنسية مباشرة. فوافقت طبعا، خصوصا وأن ترجمته تتضمن إنصافا مزدوجا، أدبيا وماديا؛ وتلك حالات نادرة حقا!

6-  هل يمكن للترجمة أن تمثّل خطرا على هويّة اللغة التي تترجم إليها وهوية متكلّميها؟

× خطر؟ وماذا نقول عن فعل الشارع، ووسائل الاتصال الحديثة، وتفضيل اللغات الأجنبية في البيع والشراء والدعاية وتربية الأطفال على أيدي شغالات مستوردات و... و... و...

ألم يبق لتدنيس اللغة إلا الترجمة؟ يتم الحديث عن مثل هذا الخطر في مجال الشعر؛ وقصيدة النثر تحديدا؛ لكنها مقدسات زائفة مازالت تتعلق بالمكتوب ولا تكترث للمخاطر الحقيقية التي تأتي بها الصورة والشبكة العنكبوتية وغير ذلك. وحتى ما ذكرته سابقا من استخدام للكلمات الأجنبية في الترجمات المصرية لا يأتي في اعتقادي من الترجمة في حد ذاتها، بل من اختيار واع بشرت به الكتابة قبل الترجمة كما في مثال ادوارد الخراط. والسبب في زعمهم هو محاولة الاقتراب من نبض الشارع والاستخدامات السائدة فيه! وهو ادعاء مغلوط يتطلب ـ إنْ نحن سايرناه  إلى النهاية ـ  اعتماد نبض الشارع بالتمام والكمال أي الكتابة بخليط من العامية المتداخلة مع اللغات الأجنبية الدخيلة، فضلا عن الفصحى...

7- هل ساهمت  ترجمة الروايات العالمية حسب رأيك و انطلاقا من تجربتك في تطوّر الرواية العربية أم دفعت الروائي العربي إلى استنساخ أشكال تلك الروايات وترديد تيماتها؟

× في كل الأحوال لسنا أمة رواية؛ وكان لابد من الاستنساخ والتقليد كما تفعل كل الأمم التي تكتشف شيئا ينقصها. هذا ما فعله الحكيم وطه حسين ومحفوظ والمنفلوطي وغيرهم وكانوا يؤسسون فيما هم يقلدون أو يستنسخون. الترجمة المعاكسة التي تمت في الغرب أدت بدورها إلى مثل هذه العملية. وهاهم لا يكفون عن تقليد "ألف ليلة وليلة " مثلا، من القرن السادس عشر الى بورخس وباولو كويلهو...

الترجمة  لم تساهم في تطور الرواية العربية فحسب بل كانت السبب وراء تأسيسها أيضا.

8-  هل فعلا يبقى تطوّر اللغة العربية رهين حركة جدّية للترجمة ؟

أصحاب هذه الرأي يرون أن الحاجة أم الاختراع و أن الترجمة ستدفع المترجم و اللغوي إلى الاجتهاد بحثا عن بدائل للمصطلح الغربي و هذا سيحرّك المياه اللغوية الراكدة للعربية و يبعث فيها دماء جديدة؟

× تطور اللغة العربية متوقف على تطور أهل اللغة العربية. أما الترجمة فهي جزء من كل، ولعلها لم تعد كذلك إن نحن أخذنا بالاعتبار تفشي البدائل المتمثلة في تبني لغة المستعمر بنسبة قد تتجاوز الخمسين بالمائة كما هو الأمر في البلدان المغاربية ـ ماعدا ليبيا ـ وكذلك بلدان الخليج. لغة "البزنس" والعولمة لم تعد العربية!

9- ربّما يكون مشروع جورج طرابيشي  ترجمة أعمال فرويد  وأدبيات التحليل النفسي في وقت من الأوقات ورّبما ارتبط مشروع هاشم صالح باستعادة فكر محمد أركون... أي مشروع يتّخذه محمد علي اليوسفي ضمن انشغالاته بالترجمة؟

المثالان المذكوران يختصان بمشاريع فكرية تحديدا وهي مشاريع تتطلب ممن بدأها أن يستكملها. في مجال الأدب، وهذا اختصاصي، لا يمكن التحدث عن كاتب واحد بل عن تيار كتابي إن صح التعبير. الأدب المتميز بالتجديد والقدرة على الإدهاش وتغيير نظرتنا للواقع، سواء أكان متأتيا من اليابان أم من اليونان أم من أمريكا اللاتينية، وسواء أكان شعرا أم نثرا أم صورة. لذلك لا تستهويني ترجمة الكلاسيكيات الروائية، على أهميتها، فهي بالنسبة لي منجز تاريخي اطلعت على أهم عناوينه ولم تعد فيه مفاجأة الاكتشاف.

10- اتّهم المنفلوطي بالسطو على أعمال غيره في وقت من الأوقات من خلال تلك الاقتباسات. كيف تقيّم ما أقدم عليه المنفلوطي وفق  النظرة الجديدة للترجمة و حقوق المؤلّف؟

×المنفلوطي تصرف مثل تراجمة العهود السحيقة. ذهب إلى الحج فعاد بعلوم الآخرين قائلا إنها علومه من دون تنكر لمن تتلمذ عليهم!  لقد أخضع المستورد لما يمكن أن يُستهلك أو يُهضم! شغفنا به في مرحلة وتنكرنا له لاحقا إنه يشبه صورة الأجداد.

11- ما رأيك في المثل القائل :"  الترجمة كالمرأة . إذا كانت جميلة فهي غير أمينة . و إذا كانت أمينة فهي غير جميلة "؟ أين تضع ترجماتك في خانة الجمال أم في خانة الأمانة ؟

× في هذا القول تعميم وظلم للمشبه والمشبه به!

شخصيا لا أستطيع تقويم ترجماتي استنادا إلى هذا المقياس. غير أنني أميل كثيرا وأسعى جاهدا إلى التوفيق بين الجمالية والأمانة؛ لذلك أمقت مصطلح التعريب وأفضل عليه مصطلح الترجمة، ولا أتوانى عن اللجوء إلى الترجمة الحرفية عندما أرى أنها لا تضر بالنص المنقول إلى لغته الجديدة الحاضنة ، لكن من دون حماقة آلية.

12- هتف أنطون مقدسي يوما بالمترجم أنطون حمصي عندما همّ بترجمة رواية "حديقة النباتات" لكلود سيمون قائلا :" لا تقترب من كلود سيمون ،إنه  الكاتب الذي لا يترجم " و مع ذلك ترجم الرواية .

ما هي الرواية التي تمنّعت على محمد علي اليوسفي ورفضت أن تترجم إلى العربية بسهولة؟ و ما هي أوجه الصعوبة في شكلها أم في مناخها أم في لغتها ؟

×

التمنع في رأيي لا يأتي من النص في حد ذاته، انطلاقا من رؤيتي للترجمة، كما ذكرت بعض أركانها لتوّي، بل من المتلقي الذي قد يفسر صعوبة فهمه للرواية المترجمة بقصور لدى المترجم. وهذا ما حصل لي مع ترجمة " خريف البطريرك " لماركيز في بداية الثمانينات. فمن المعروف أن غابرييل غارسيا ماركيز كتب روايته بلغة شعرية تفوق لغة رواياته الأخرى، كما استخدم الأسلوب الدائري الخالي من الفقرات والتنقيط والحوار للبرهنة على دائرية الزمن المغلق تحت الحكم الدكتاتوري. كل ذلك حُسب على المترجم في البداية!

وهذا ما يفسر لجوء مترجم آخر للرواية نفسها إلى " تشذيب النص " وإعادة توزيع فقراته وحواراته في ترجمة صدرت لاحقا في بيروت؛ إنه مترجم وفيّ لجدّه المنفلوطي!

    لم تتمنع عليَّ ترجمة كتاب معيّن بقدر ما وجدت الكثير من التحدي والتعب وفرحة الاكتشاف واللقى الجميلة، كما لو كنت كاتب النص!

13-  انشغلت رواية أمريكا اللاتينية بصورة الدكتاتور ونجحت في حين فشلت التجارب العربية لمقاربة تلك الصورة ما هي أسباب هذا الإخفاق و ذلك النجاح حسب رأيك ؟

× هذا السؤال مهم؛ ولعل أهميته تعادل صعوبة المجازفة بمحاولة إيجاد إجابة سريعة وحاسمة الآن! سؤال يتطلب النظر والتمحيص والدراسة؛ أعتقد أنها ستكون دراسة سوسيولوجية ونفسية وأدبية وتاريخية في آن ... دراسة ذات أبعاد دينية أيضا، لِمَ لا؟ خصوصا في ما يتعلق بنظرتنا اللاتاريخية للفرد والحكم المنزل وإطاعة أولي الأمر وما إلى ذلك...

ومن العناصر المهمة التي نجحت بها رواية الدكتاتور في أمريكا اللاتينية قراءة الواقع انطلاقا من آثاره وظلاله الفانتازية وليس انطلاقا من تسجيله بطريقة آلية كما تفعل الرواية المسطحة؛ أي اعتبار الواقع أكثر تعقيدا وتخييلا من تمظهره الفيزيائي المعطى!

14-  ما هي الفروق الكبرى بين الرواية اليابانية ورواية أمريكا اللاتينية  كما لمستها  خلال ترجمتك لنماذج من هذه الروايات ؟

* رواية أمريكا اللاتينية غابة، بل هي أدغال؛ و الرواية اليابانية حديقة  تعتمد النمنمة.

***

الكاتب التونسي محمد علي اليوسفي     

أبـوالقاسم الشابي شاعـر درجــة ثانية

 السبت 24 / 2 / 2007
 
 


أجري الحديث ـ عزمي عبدالوهاب - تصوير ــ موسي محمود

محمد علي اليوسفي‏,‏ كاتب تونسي متعدد المواهب‏,‏ فهو يكتب الشعر والرواية‏,‏ ويمارس الترجمة التي تتراوح بين الشعر والسيرة والدراسات وأدب الرحلات والروايات‏,‏ التي تتجه علي نحو خاص إلي أدب أمريكا اللاتينية‏,‏ وهنا ينبغي أن نذكر أنه عشية فوز الشاعر أوكتافيوباث بجائزة نوبل‏,‏ كانت الترجمة التي نشرها اليوسفي في دار نشر بيروتية صغيرة‏,‏ تحت عنوان حرية مشروطة هي المرجع العربي الوحيد المتوافر عن هذا الشاعر‏,‏ مثلما كانت ترجمته لرواية ماركيز خريف البطريرك هي الأجمل‏,‏ حتي إن صالح علماني أهم من ترجم ماركيز إلي العربية‏,‏ رفض أن يعيد ترجمة هذا العمل‏.‏ هنا حوار مع اليوسفي حول هذه المحاور‏,‏ فإلي التفاصيل‏..‏
‏*‏ درست المرحلتين الابتدائية والثانوية بتونس‏,‏ ثم اتجهت إلي دمشق لاستكمال دراستك الجامعية‏..‏ لماذا لم تكن فرنسا وجهتك كما هو متوقع؟
الكتابة جعلتني أبحث عن مصادر للقراءة‏,‏ وكانت الكتب تأتينا من المشرق‏,‏ مما شكل لدي رؤية خاصة عن هذا المشرق‏,‏ وكان أمامي خياران‏,‏ إما أن أسافر إلي فرنسا‏,‏ وهذا كان متاحا‏,‏ أو إلي الشرق‏,‏ الذي كان يمثل لدي كتلة كبيرة‏,‏ نتيجة تعلقي بالكتابة العربية‏.‏في تلك الفترة المبكرة كانت الجهات المسموح لنا بالسفر إليها هي دول المغرب العربي وأوروبا‏,‏ وهي مسجلة علي جواز السفر الخاص بكل التونسيين‏,‏ وفي البداية اتصلت بالسفارة المصرية لمعرفة إمكانات الدراسة في القاهرة‏,‏ فقيل لي إن مصر ليست مسجلة في جواز سفركم ضمن قوائم الدول المسموح لكم بالسفر إليها‏,‏ وفي السفارة اللبنانية كان الرد مشابها‏,‏ وعندما اتصلت بالسفارة السورية رحبوا بي كعربي من دون أن يكون مطلوبا مني تأشيرة دخول‏.‏
في دمشق أردت أن ألتحق بقسم اللغة العربية‏,‏ فاصطدمت بالطريقة التقليدية للتدريس وكنت في ذلك الوقت مغرما بعلم الجمال فالتحقت بقسم الفلسفة‏.‏
‏*‏ لكنك لم تكمل دراستك وسافرت إلي بيروت‏..‏ لماذا؟
كنت أستغل فترات الصيف في العمل بأوروبا‏,‏ وفي العام‏1976‏ عندما عدت إلي دمشق وجدت أن الكثيرين من زملائي قد طردوا من الجامعة‏,‏ بعضهم سافر إلي العراق‏,‏ والبعض إلي مصر‏,‏ ولما ذهبت إلي الجامعة للتأكد مما إذا كان قرار الطرد قد شملني أنا الآخر‏,‏ وجدت أنني مسموح لي بالإقامة فقط‏,‏ والحرمان من الدراسة‏,‏ وعندما سألت عن الأسباب عرفت أن هناك حملة ضد اليساريين‏.‏
ذهبت إلي عدد من الأساتذة الذين تربطني بهم مودة لحل المشكلة‏,‏ فلم تجد الوساطات‏,‏ فاتجهت إلي لبنان للالتحاق بالجامعة‏,‏ وفي بيروت كانت المقاومة الفلسطينية مشتعلة‏,‏ فعملت في بعض منابرها‏,‏ وبدأت بترجمة أول كتاب لي وهو حكاية بحار غريق لماركيز‏,‏ ثم تلا ذلك خريف البطريرككان هناك صراع علي ماركيز‏,‏ وبعد مقارنات بين ترجمتي وترجمات أخري‏,‏ تم إقرار طباعة ترجمتي‏.‏
‏*‏ برغم أنك لم تترجمها عن الأسبانية مباشرة؟
لم تكن الترجمة عن الأسبانية‏-‏ وقتها‏-‏ متوافرة بشكل كاف‏,‏ وكانت ترجمة أدب أمريكا اللاتينية مطلوبة من دور النشر والقراء‏.‏
‏*‏ هل واجهتك صعوبات معينة مع النص أثناء ترجمته؟
خريف البطريرك أصعب من مائة عام من العزلة من حيث اللغة الشعرية العالية‏,‏ والأسلوب الروائي‏,‏ الذي يعتمد الفقرة المتواصلة إلي نهاية الفصل‏,‏ الأمر الذي سبب إرباكا حتي لدي صاحب دار النشر‏,‏ الذي تشكك في هذا الإفريقي التونسي‏,‏ لكنني أوضحت له أن هذا هو أسلوب ماركيز في الرواية‏,‏ ولن أتصرف فيه‏,‏ ويمكن عرضه علي من يجيد الفرنسية أو الأسبانية‏,‏ وهكذا أعيدت قراءة العمل المترجم من قبل عدد من المتابعين‏,‏ كان أبرزهم صالح علماني الذي قدم شهادة حق‏,‏ أعتز بها‏,‏ عندما قال إنني لو ترجمت الكتاب عن الأسبانية‏,‏ لما استطعت أن أخرجه بهذا الشكل‏,‏ وصدر الكتاب الذي ترجمته أثناء الاشتباكات والقصف في بيروت‏,‏ ولا أذكر أن أحدا ترجم هذا الكتاب سوي دار نشر لبنانية‏,‏ وما يدل علي بؤس هذه الترجمة أنهم ترجموا خطأ العنوان إلي خريف البطريق‏.‏
‏*‏ معظم ترجماتك عن أدب أمريكا اللاتينية‏..‏ هل هو الجري وراء موضة انتشرت لدينا؟
في هذه الفترة جري اكتشاف أدب أمريكا اللاتينية عبر ماركيز‏,‏ كان ذلك يشكل نمطا جديدا في كتابة الرواية بالنسبة للقارئ‏,‏ مما يعني ربحا أكبر للناشر‏,‏ لم أكن أميل لبابلو نيرودا مثلا‏,‏ لكنني اكتشفت أوكتافيوباث قبل أن يتم التعرف إليه عربيا‏,‏ ترجمت له ثلاث مجموعات شعرية وكانت هناك دار نشر صغيرة في لبنان‏,‏ يعمل لديها أحمد ومحمد علي فرحات مستشارين‏,‏ فطلبا الكتاب‏,‏ وما إن نشرته الدار‏,‏ حتي أعلن عن فوز أوكتافيوباث بجائزة نوبل‏,‏ وبذلك كان كتابي هو المرجع الوحيد بسوق النشر‏,‏ كان عنوانه حرية مشروطة‏.‏
‏*‏ لماذا لم يفرز تيار الفرانكفونية أدباء كبارا في تونس كما حدث في الجزائر مثلا؟
لا توجد مشكلة أقليات أو قوميات في تونس‏,‏ حتي إن نسبة البربر بها ضئيلة جدا‏,‏ وبذلك تكون الممانعة أمام التعريب قد انتفت‏,‏ كان هناك البحث عن التوازن بين هيمنة الفرانكفونية وحركة التعريب‏,‏ كانت العلوم الإنسانية تدرس بالفرنسية‏,‏ وفي مرحلة لاحقة تم تعريبها‏,‏ ونجم عن ذلك وضع يشكل نوعا من الاصطفاف وراء العربية‏.‏
‏*‏ تكتب الشعر والرواية‏,‏ مختلفا بذلك عما استقر في ثقافتنا العربية من الإخلاص لجنس أدبي واحد‏,‏ فهل هناك شروط ما للاستجابة إلي جنس دون آخر؟
بعد الإمعان في كتابة الشعر توصلت إلي قصائد يغلب عليها السرد وتعدد الأصوات‏,‏ وأحسست أن الشخوص متحركة في القصيدة‏,‏ تريد الخروج من أسر الاختزال الشعري إلي صورة أكثر وضوحا وتعبيرا‏,‏ ولعبت الترجمة ومعايشة الأسلوب الكتابي لدي كتاب آخرين‏,‏ دورا كبيرا في انتقالي لكتابة الرواية‏,‏ من دون التخلي عن كتابة الشعر‏,‏ أيضا كان اقترابي من سن الأربعين عاملا مهما في هذا الاتجاه‏.‏
كنت قد نشرت مجموعتي الشعرية حافة الأرض في بيروت‏,‏ وطبعا لم تكن قصائدي تخلصت من السرد‏,‏ فالشعر تسلل إلي الرواية‏,‏ كانت هناك نقطة تداخل بين الكتابتين‏,‏ ولا أشعر بأنه لابد من التركيز علي جنس أدبي واحد‏,‏ لكن دعنا نعترف بأن نشر الرواية الآن أسهل من الشعر‏,‏ وربما كنت محظوظا مع الرواية‏,‏ فقد تصادف أن روايتي الأولي توقيت البنكا نالت جائزة رياض الريس سنة‏1992,‏ كما حازت روايتي شمس القراميد جائزة أفضل رواية لسنة‏1997‏ في تونس‏,‏ ما دفعني إلي مواصلة كتابة الرواية حتي أصدرت خمس روايات‏,‏ والسادسة قيد الطبع‏.‏
‏*‏ برغم أنك تؤمن بأننا في مجال الرواية والمسرح نقلد الغرب في الكتابة عبر هذه الأشكال الفنية؟
نعم‏..‏ نحن فوجئنا بشئ اسمه المسرح‏,‏ فصرنا نبحث في تراثنا عن هذا الشكل‏,‏ ولا يمكن أن يمثل خيال الظل مسرحا‏,‏ مثلما لا تمثل ألف ليلة وليلة الرواية كجنس أدبي‏,‏ هي قد تفوق الرواية‏,‏ لكنها في النهاية حكاية شعبية‏,‏ ولم نلتفت إليها إلا عندما أشار إليها الغرب كعمل عظيم‏,‏ وبرغم أن هذه الفنون لم تنبت في تربتنا‏,‏ إلا أن روحنا موجودة فيها‏,‏ فمثلا نجيب محفوظ كتب الرواية الكلاسيكية‏,‏ والفرنسيون يرددون أنه بلزاك الرواية العربية‏,‏ وقد يكون ذلك صحيحا من ناحية الشكل‏,‏ لكنه كتب الروح المصرية في تجلياتها الأسطورية والروحية والتاريخية‏.‏
‏*‏ هل تثري الأسطورة النص سواء كان روائيا أم شعريا؟
الشعر ليس فعلا ثقافيا‏,‏ بمعني التفاعل مع الثقافات الأخري وإعادة إنتاجها في النص العربي‏,‏ قد يشكل ذلك خلفية ما‏,‏ لكن لا يمكن أن يتخلل القصيدة بشكل مباشر يبعدها عن اللحظة الشعرية‏,‏ ويبعدها عن عمق الواقع الذي انبثقت منه تلك اللحظة‏,‏ بمعني أننا لا نستطيع الآن أن نكتب ملحمة‏,‏ لأن الملحمة كانت ابنة عصرها‏,‏ كما أن الواقع من الغني والتنوع‏,‏ بحيث نستطيع أن نوجد أساطيرنا الخاصة بنا‏,‏ وأنا أعتبر كل ما كتب في الشعر العربي مجاورا للأسطورة‏,‏ شكل مرحلة‏,‏ يمكن القول إنها استكشافية‏,‏ هناك نقطة لا أحبها في النص الإبداعي إجمالا وهي الاستناد إلي مادة خام جاهزة‏,‏ وإعادة إنتاجها كتابيا‏,‏ بمعني‏:‏ لماذا لا يحاول الكاتب البدء من نقطة الصفر أو العدم؟‏!‏
‏*‏ وهل هناك نقطة صفر يبدأ منها الكاتب‏,‏ أي كاتب؟
نقطة العدم أو الصفر ليست عدما ولا صفرا‏,‏ لأن الكاتب يكون محملا بالماضي وبنصوصه‏,‏ وبالحاضر أيضا‏,‏ فضلا عن استشراف المستقبل‏.‏
‏*‏ الأزمة بين المشرق والمغرب هل مازالت محتدمة داخل نفوس الأدباء المغاربة؟
هي أخف حدة الآن‏,‏ بسبب التواصل الذي تزايد في السنوات الأخيرة‏,‏ من خلال تنقلات فردية للكتاب‏,‏ وعبر المؤتمرات والندوات والمهرجانات‏,‏ إضافة إلي إمكانات التواصل والنشر عبر الإنترنت‏.‏
المشكلة كانت تتمثل في نوع من الصراع الموجود في شمال إفريقيا بين الفرانكفونية والعربية‏,‏ فالكتاب الذين يكتبون بالفرنسية يجدون تسهيلات عديدة داخل بلدانهم‏,‏ وفي فرنسا‏,‏ ما يجعل الكتابة بالعربية في نوع من العزلة‏,‏ فيبحث الأدباء عن منفذ‏,‏ قد يكون في مصر أو لبنان أو سوريا‏,‏ وعندما لا يجدون هذا المنفذ تبدأ ردود أفعالهم‏,‏ تكتسب نوعا من العنف‏.‏
‏*‏ أنت عشت بين الضفتين مشرقا ومغربا فكيف تري هذه العلاقة الآن؟
هناك اهتمام دائم في المشرق العربي بما يجري في المغرب والنصوص الجيدة تفرض نفسها في الأخير‏,‏ وهذا ما حدث مع عدد كبير من الكتاب المغاربة‏,‏ هناك ملاحظة تتعلق بالنظرة التعميمية في الاتجاهين‏,‏ فأنا شخصيا أقول إن المشرق مشارق‏,‏ مثلما المغرب مغارب‏,‏ أقصد طبعا الخصوصيات التي يمكن استقبال الأدب بها‏,‏ في هذا البلد أو ذاك‏,‏ وكذلك التسهيلات‏,‏ وهذا لا يمنع أن اطلاع المغاربة علي ما ينتج في المشرق العربي أوسع بكثير مما يجري في الاتجاه المقابل‏,‏ وللإعلام دور مهم في هذا الجانب‏,‏ فضلا عن سهولة نسبية في تحرك كتاب المشرق نحو المغرب العربي‏,‏ وهذا ليس متوافرا للكتاب المغاربة‏.‏
‏*‏ ألهذه الأسباب تتوقف علاقتنا بالشعر في تونس عند أبوالقاسم الشابي؟
الشابي كتب ونشر في تونس‏,‏ قبل أن يعرف في مصر‏,‏ لكن مجرد تعامله مع مجلة أبوللو لعب دورا في التعريف به علي نحو أكبر‏,‏ وكان الشابي في عصره يعتبر شاعرا من درجة ثانوية‏,‏ حتي إن شعراء تونس عندما أرادوا أن يولوا شاعرا إمارة الشعر اختاروا 
كرباكة‏ أو بالأحرى الشاذلي خزندار,‏ وهو شاعر صار مندثرا‏,‏ بينما كان الشابي في مرتبة متأخرة‏,‏ ووجود الشابي لم ينف وجود شعراء آخرين‏,‏ لكن أصواتهم لا تصل بسهولة‏,‏ وبمقارنة بسيطة أقول إننا نكاد نعرف كل شاعر مصري‏,‏ حتي لو كان قادما من قرية نائية في الصعيد‏,‏ وهذا بسبب غني وتنوع المطبوعات ووسائل الإعلام في مصر‏.‏
‏*‏ وماذا عن الرواية؟
برزت أسماء روائية مثل فرج لحوار‏,‏ وصلاح الدين بوجاه وعروسية النالوتي‏,‏ ومسعودة أبوبكر‏,‏ والكتابة الروائية في تونس انطلقت من اتجاهين مؤسسين للرواية هما اتجاه بشير خريف ومحمود المسعدي‏,‏ الأول أقرب إلي الرواية الواقعية‏,‏ والثاني يعتمد الرموز والتراث مع نزعة وجودية‏,‏ ولغة منتقاة‏,‏ والكثير من الروائيين التونسيين تأثروا بمحمود المسعدي تحديدا‏,‏ وبدأوا يتنكرون له‏,‏ بعد تتابع رواياتهم‏.

***

مجلة افكار الأردنية

الروائي التونسي محمد علي اليوسفي

تونس بلد غير فاعل ثقافيا وظروف النشر صعبة جدا, خاصة التوزيع المحلي

الكتاب التونسي مضطهد بسبب الهجمة الفرنكفونية المتجددة ونفوذ الانجليزية.

الرواية الشعرية ليست ثرثرة لغوية بل هي متأتية من ظلال العلاقة بين الشخصيات والامكنة ذات الايحاءات الشعرية.

حوار : آيه الخوالدة *

التقت مجلة افكار الروائي التونسي محمد علي اليوسفي على هامش مشاركته في معرض عمان الدولي الثاني عشر للكتاب في عمان و كان لنا هذا الحوار.

 985ima

يصعب اطلاق لقب واحد عليه, فهو روائي, شاعر, كاتب نقدي, مترجم وله العديد من الاعمال في السينما والدراسات والرحلات, لذا لا يسعني الا ان اطلق عليه لقب الاديب بكل ما تحمل الكلمة من معان. اُتهم بانه يكتب الشعر في كل اشكال الادب, الا انه اعتبر علاقته بالشعر علاقة صامتة تخصه وتخص الاماكن التي تجمعه بها, و اعتبر الرواية الباب الذي ادخله الى عالم الخيال و حرية الحركة.

 * لك العديد من الترجمات في الشعر, الروايات, الكتب النقدية, الدراسات, السينما والرحلات, حدثنا عن هذا التنوع والغنى في الاشكال الادبية؟

 بالنسبة لنظرتي العامة, تتفاعل الفنون مع بعضها البعض وتتكامل ايضا, يمكن القول ان السينما هي الرواية والرواية هي السينما, حتى بمعنى الربح و الخسارة, فالرواية تكتسب الكثير عندما تأخذ من تقنية السينما, والسينما تأخذ الرواية كاملة وتحولها الى مشاهد بصرية.

في نطاق اهتمامي الشخصي لقد بدأت شاعرا, وتطور الشعر عندي في القصيدة السردية التي تتناول الشخصيات وحواراتهم.  لقد وجدت السرد يتطلب نوعا من اخراج الشخصيات من النص المكثف القصير الى فضاء أرحب, تستطيع الشخصية التحرك فيه و التكلم بحرية, و ذلك لا يمكن للشعر استيعابه بل فقط الرواية.

لقد كان خروجي للرواية متأخرا لكن مع كتابة الشعر مارست الترجمة, وذلك حبا في الرواية والادب بشكل عام, ثم عندما بدأت الترجمة احسست انني مشارك في كتابة الرواية, لان قارئ الرواية هو قارئ فقط, لكن المترجم يطلع على الرواية اكثر من مرة, و يمر في كل سطر بعلمه و تفكيره و بصره, حتى انه يعايش لحظات من كتب النص, فكأنه يشارك في اعادة الصياغة من جديد.

الترجمة نوع من التدرب على الكتابة المستقبلية, كما ان دراستي الاكاديمية كانت في الفلسفة وهي ام العلوم و الفنون في الماضي, لكن عندما بدأت الترجمة وجدت ان ترجمتي للكتب الاجنبية كان يتم الاحتفاء بها, خصوصا ان الكتاب المترجم مطلوب كثيرا و بالاخص الكتب المترجمة للادباء الحاصلين على جوائز نوبل مثل غابرييل غارسيا ماركيز. كما ان الطلب عليها يزداد بشكل كبير من دور النشر و القارئ. اذكر انني في البدايات ترجمت ثلاثة دوواين شعرية للشاعر المكسيكي اوكتافيو باز, و طفت بها الى ثلاثة دور نشر في بيروت وجميعها رفضت. و في النهاية نشرتها ضمن كتاب واحد في دار نشر صغيرة, نال بعدها الشاعر اوكتافيو جائزة نوبل للاداب, و كان الكتاب الوحيد المترجم للعربية.

مشكلتنا في النشر تتعلق بالناشر و ذوقه و اطلاعه و معرفته, و لقد كنت ارفض الترجمة السريعة للكتب التي تتناول الاوضاع الاقتصادية و السياسية الراهنة, و كنت اتوجه الى ترجمة كتب المؤلفين الذين اشعر بانهم مظلومون و مغيبون ماديا, لذلك كانت جميع كتبي المترجمة متميزة في اختراقها و تأثيرها في الثقافة العربية.

و يأتي اهتمامي بالسينما من باب انها من الفنون العصرية المؤثرة في المجتمع و قد ترجمت كتابين في السينما.

كيف ترى واقع الادب التونسي في الساحة الادبية العربية؟

 هو سؤال يثير الكثير من المشاكل, فإذا قلت بان الادب التونسي ضعيف, سأجد ردود فعل عنيفة جدا, و إذا قلت بانه جيد جدا, سأخدع نفسي و غيري. هنالك تجارب مهمة في تونس, انما المشكلة تكمن في ان البلد الصغير لا يخلق نجوما, اذ ان هنالك مبدأ صحافي قائل : مقال ضعيف في جريدة مهمة, اهم من مقال جيد جدا في جريدة ضعيفة ولذلك فان كاتبا متوسطا من باريس او لندن اهم، بمعنى الحضور والربح المادي، من كاتب عربي جيد.  و تونس بلد غير فاعل ثقافيا, و ظروف توسع النشر فيها صعبة جدا. اذ انها لم تستطع اختراق الحدود و لم تتمكن من التوزيع محليا. حتى التجارب السينمائية اغلبها انتاج مشترك مع سويسرا, فرنسا, المانيا, بلجيكا, و يوجد هنالك دعم للانتاج البصري, الادب التونسي يعاني من العزلة رغم وجود الاصوات المتميزة خاصة في الرواية و الشعر.

هل تعتقد ان توجه العديد من الكتاب التونسيين للكتابة باللغة الفرنسية يهدد الادب التونسي؟

الكتاب في تونس لم يتميزوا بالكتابة الفرنسية كما هي الحال في الجزائر و المغرب. لكن بعد فترة الاستقلال ازدادت نسبة الكتابة باللغة الفرنسية, هنالك مسابقة سنوية في تونس لجائزة الرواية و هي مفتوحة لمن يكتبون باللغتين, و نجد عدد المرشحين من الجهتين متقارب جدا, حوالي 17 كاتبا باللغة العربية و 13 بالفرنسية, ومن المفروض ان تكون نسبة المشاركة لمن يكتبون بالعربية 90% كونها اللغة الام.

الى جانب ان من يكتبون بالفرنسية يتدبرون امورهم مرتين, فهم مدعومون من الجهات الفرنسية ولهم امكانية النشر في البلاد الفرنكفونية و البلاد العربية ايضا.

لقد عُرِضتْ عليَّ العديد من المؤلفات التي كتبت باللغة الفرنسية لكتاب يعرفون اللغة العربية, و قد رفضت ترجمتها, فلماذا لا يكتبون بلغتهم الام. في المقابل عندما تعقد باريس مؤتمرا عن الرواية العربية تستضيف روائيين عربا من الاردن وسوريا ومصر و لبنان، يكتبون بالعربية, بينما تستضيف روائيين المغرب وتونس والجزائر يكتبون باللغة الفرنسية وذلك تشجيعا لفكرة الفرنكفونية وانتشارها وخوفا من طغيان اللغة الانجليزية عليها. كما ان دور النشر التونسية وجدت دعما كبيرا من المراكز الثقافية الفرنسية والسفارات, لذك تقبل على نشر المؤلفات المكتوبة بالفرنسية. بالتالي يعيش الكتاب التونسي اضطهادا بسبب الهجمة الفرنكفونية المتجددة والعولمة والسيطرة ونفوذ الانجليزية.

كيف تكون الرواية كتلة نص شعري كبير؟ 

انا متهم في كتاباتي انني احب الشعر اكثر, و عندما كتبت الرواية قيل عنها انها شعرية, انا لا اخفي ان فيها شعرا, لكن هنالك من ينتقد الرواية بانها ان كانت شعرية ستفقد الكثير من العناصر المكونة للرواية. في نظري ان الرواية عندما تكون شعرية هي لن تكون قصيدة  ولن تضحي بأساسيات العمل الروائي, فالشخصيات والمكان موجودة والعلاقات بين الشخصيات تتطور باستمرار, الى جانب الحدث والخاتمة وهذا كله موجود في الرواية الشعرية. بينما النص المسترسل بلغة انسيابية مجنحة سيفقد الرواية الكثير وانا افضل ان تكون الشاعرية متأتية من ظلال العلاقة بين الشخصيات ومن الامكنة نفسها التي تكون ذات ايحاءات شعرية. واهمية العناصر تكون كالتالي بالترتيب : الحدث, الشخصية, تدفق الشعر من العلاقة, وعدم الانطلاق المسبق للغة.

متى يكتب الشاعر اجمل قصائده؟

 الشاعر لا يدرك ذلك, يأتي الاخرون و يقولون عنها إنها اجمل قصائده.  الشاعر يمتلك جانبا نرجسيا و انانيا, ففي لحظة الانفعال القوي سواء كان حزينا او فرحا يظن انه كتب شيئا لم يكتبه الاخرون, و انه ابدع في هذا النص. القصيدة مشكلتها في الانفعال الفيزيولوجي, اذ لا اعتقد ان الشاعر يمكن ان يكتب قصيدة جميلة في سخونة الحدث, فإذا كان في قمة الفرح سيكون سعيدا جدا ليرى سطور القصيدة رائعة كونه اسقط عليها هذا الفرح. ان الشعر يتطلب القليل من البرود والبعد عن العواطف الجياشة, حتى لا يأتي الانفعال الجسدي على حساب الجمالية في النص.

أيهما اقرب الى محمد علي اليوسفي الشعر ام الرواية؟

 لقد سئلت هذا السؤال كثيرا وفي احدى المرات اجبت سريعا وكأنني كنت افكر بصوت عال : أنا، بيني وبين نفسي، أجدني شاعرا، وعندما اريد ان اتكلم بصوت عال، اقول اني روائي، وامام الاخرين بشكل اوسع اكون مترجما.

هو نوع من التخفي، اعتقد ان الشعر ليس استعراضا او صراخ او علاقة اجتماعية, بل علاقة جمالية بين الشاعر وعلاقته بالازمنة والامكنة و الشخصيات, علاقة صامتة اكثر منها صارخة ومن هنا كتاباتي ليست منبرية ولا تبحث عن الجانب الاعلامي, فلست ممن يجيدون اعتلاء المنابر والالقاء الشعري.

هل تعتقد ان اثر الشعر العالمي كبير جدا على المؤلفات الادبية في العالم العربي؟

بالتأكيد, نحن لا نملك اسس الرواية والمسرح بمعناهما الحقيقي, فهي فنون حديثة العهد. بينما الشعر مسألة اخرى, اذ لدينا اصالة و تراكم كبير في الشعر, و لكن ذلك لا يمنع تأثرنا بالشعر الغربي وقصيدة التفعيلة والنثر, كما وعمدنا الى استخدام الاسطورة و القناع في القصيدة الحديثة. حيث اصبحت القصيدة العربية القديمة في احتكاكهاباللحظة الراهنة ليست كافية, نفرح بها عندما نقرأها خصوصا شعر المتنبي, لكن كإيقاع عصري نطلب اشياء اخرى نجدها في الشعر الحديث عند محمود درويش, ادونيس, امل دنقل و سعدي يوسف. نحن متأثرون بالغرب في كل مجالات حياتنا, لاننا لسنا صانعين للحضارة بل نحن مستهلكون لها.

 هل اثبت الكتابة النسوية وجودها في الساحة الادبية التونسية؟

 بالفعل, فهنالك حضور لافت جدا للكاتبة والشاعرة و القاصة التونسية, ففي منتصف القرن الماضي لم يكن هنالك عدد كبيرمنهن بينما الان نشهد كمية ونوعية متميزة, وحاضرة في كافة اشكال الادب من مسرح, رواية, قصة و شعر, وفي هذا المجال الأخير جددت الشاعرة امال موسى في قصيدة النثر, وأبدعت الشاعرة جميلة الماجري في القصيدة الكلاسيكية الجديدة.

 ماذا تمثل لك الترجمة في بحور الادب العالمي؟

 اجد لذة كبيرة في ترجمة النصوص الادبية العالمية, اذ انني اذا وجدت النص جميلا و معبرا لا اترك الكتاب الا عندما انهي ترجمته ولو كان الاجر الذي اتلقاه قليلا, فالكتاب الذي وجدت فيه تحديا ومتعة كبيرة في ترجمته خلال ثلاثة اشهر هو كتاب المنشق للكاتب اليوناني كازانتزاكي, و هي سيرة حياته كتبتها زوجته, وقد ترجمته للمجمع الثقافي في ابو ظبي عندما اقاموا اسبوعا ثقافيا خاصا بهذا المؤلف الى جانب عرض فيلم زوربا وعرض مقتنياته و الموسيقى اليونانية.

* صحافية مترجمة



*

ليست هناك تعليقات:

المتابعونFollowers

التسميات

كرمة فيروز Fairuz'sCarma




 

carma carma كرمة
* لا تنقر هذا المربع الصغير>> carmasutra.fr.gd

Archives